الاثنين، 8 أغسطس 2011

إلى الصيف

أيها الوالج في عنفوانك عبر الوهاد
اكبح جماح فروسك الشرساء ، وسكن الحرارة
المتقدة من مناخيرها النجلاء ! أيها الصيف
لطالما نصبت هنا خيمتك الصفراء ، ولطالما
هجعت تحت السنديان ، بينما رمقنا
بابتهاج أطرافك الموردة وشعرك المزدان.

تحت أفيء الظلال طرق سمعنا
صوتك ، حين طاف الهجير ممتطيا عربته الوهجاء
بامتداد عمق السماء ؛ فاجلس بقرب ينابيعنا
وإلق ديباجك الحريري على سهولنا،

وعلى ضفاف النهر الصفوان
ادفع المجرى على التدفق والجريان :
فان سهولنا تهوى الصيف في بهاه.

طيبون الثناء شواعرنا الذين يعزفون فضي الأوتار:
وشبيبتنا أصدق بأسا من غنادير الجنوب:
وعذارانا يتفردن حسنا في رقصة مفعمة بالسرور :
فلا تنقصنا أدوات الطرب ، ولا الأغنيات
ولا حلو الأصداء، ولا المياه الصافية كالسماء
وليس يعوزنا أكليل غار يقينا الحر الوقاد.

الأربعاء، 3 أغسطس 2011

إلى الربيع

يا ذا الخصلات الندية، الناظر نحو الأدنى
عبر نوافذ الصباح النقية ؛ أدر
عينيك الملائكيتين نحو جزيرتنا الغربية ،
التي تهتف بكل إنشاد لطلعتك البهية ، أيها الربيع!

الهضاب تحدث بعضها ، و الوديان
المصغية تسمع ، وأعيننا التائقة كلها استدارت
نحو فسطاطك الوضاء : تقدم ،
ودع قدميك المقدستين تطأ أرضنا.

أقدم على التلال الشرقية ، وأمنح رياحنا
شرف تقبيل لباسك المعطر؛ واجعلنا ننشق
نسيم ضحاك ومساك ؛ وانثر دررك
فوق الأرض الملتاعة التي تندب لأجلك.

زينها من الآن فصاعدا بأصابعك البديعة ؛ واغمرها
بقبلاتك الناعمة على صدرها؛ وضع
تاجك الذهبي فوق رأسها المضني شوقا
والذي لأجلك عقدت جدلاته المتواضعة.

الجمعة، 19 نوفمبر 2010

سِفْر ثيلاء

شعار ثيلاء

هل يعرف النسر ما بجوف الأرض؟
أم سوف تسال الخلدان تحت الترب :
هل تكمن الحكمة في وتر فضّي؟
أم يوضع الحب في إناء ذهبي؟

اللوحة 1

تقدمت صبايا آل سيرافيم أسرابها الوهجاء.
كلها سوى الصغرى في شحوب سعت للنسمة الخافية.
كي تتوارى مثل جمال الصباح من يومها الفاني:
والى الأدنى عبر نهر الأدونا تعالى صوتها الناعم:
وهكذا تدفق نحيبها الرقيق مثل ندى الصباح.

آه يا باعث نبع الحياة! لماذا تختفي عروس المياه؟
لم تختفي طفلة الربيع؟ أولدت للتبسم ثم السقوط.
آه! ثيلاء مثل الموجة المائية، ومثل الغيمة المارة
مثل انعكاس في المرأة، ومثلا الظلال في الماء
مثل أحلام الطفولة، ومثل البسمة فوق وجه الرضيع،
مثل صوت الحمائم، مثل النهار، مثل الموسيقى في الهواء؛
آه! عسى أن استلقي بيسر ويستريح رأسي.
واخلد للنوم، نوم الموت في راحة وسكينة
واسمع صوت ذا الذي يسير في الروض عند المساء.

وزنبقة الوادي التي تفوح في العشب الرهيف
أجابت الصبية الحسناء قائلة:" أنا الزهرة المائية
صغيرة أنا، واعشق سكنى خافض الأودية؛
وتلك الفراشة الرقشاء تركن فوق رأسي، وأنا وانية.
ولكنني موعودة من السماء، وذا الذي يتبسم للجميع
يسير في الوادي ويبسط كل صباح لي يديه
قائلا: ابتهج أيها العشب، وأنت يا زهرة الزنبق الوليدة
يا غادة الطف الأنهار وبكر الأودية الواجمة؛
فأنت كساؤك الضياء وطعامك من رحيق الصباح:
إلى أن يذيبك حر الصيف بقرب الجداول والأحواض
كيما تزهري بأودية الخلود: فلماذا إذن تشتكي ثيلاء"


اللوحة 2

"لماذا تنوح سيدة وادي الحور وتشهق بالزفرات؟".
فسكتت وتبسمت في عبرة، ثمّ جلست في ضريحها الفضّي.
وقالت ثيلاء:" يا عذراء هذا الوادي الآمن الصغيرة
يا من عطاؤك للعاجزين، الصامتين، وللمتعبين
عبيرك ينعش الحمل البريء، وهو ينشق ثوبك الحليبي،

ويقضم براعمك، بينما تجلسين مبتسمة في وجهه
وتمسحين فاهه اللين والرهيف من كل اللطخ المتسخة
وخمرك يطهر العسل الذهبي، وعطرك المنثور
الذي تذريه على كل وريقات العشب الذي يتنامى
ينعش البقرة الحلوب، ويروّض الفرس الجموح.
ولكن ثيلاء مثل الغيمة الخائرة عند شمس الشروق:
إني أختفي من عرشي اللؤلؤي، فمن عساه يجد مكاني؟".

فقالت الزنبقة:" يا مليكة الوادي اسألي الغيمة الطرية،
وهي تخبرك لماذا تسطع في سماء الصباح،
ولماذا تنثر جمالها اللامع في الهواء الرطيب.
إنزلي أيتها الغيمة الصغيرة وحومي أمام عيون ثيلاء".

فنزلت الغيمة، وأثنت الزنبقة رأسها تبجيلا:
وراحت تبث شحنتها الوفيرة بين ذا العشب النضير.


اللوحة 3

وقالت العذراء:"أيتها الغيمة الصغيرة ، إني أسألك،
كي تخبريني كيف لا تشتكين عندما تتلاشين في ساعة زمان:
وحينذاك نبحث عنك ولكن لا نجدك؛ وثيلاء مثلك.
فأنا أتلاشى. ولكن أشتكي، وما من أحد يسمع صوتي.

ثم أظهرت الغيمة رأسها ولاح مظهرها الوضيء
وهي تزدهي وتتهادى في الهواء أمام عيون ثيلاء:

"يا عذراء الست تعرفين فروسنا تنهل من العيون
حيث أسقى ملاك الحب خيوله؟ وأنت ترين شبابي،
لأنني أتلاشى ولا ألوح أبدا للأبصار.
ولاشيء يبقى يا عذراء؛ أصدقك القول، عندما أتوارى،
فإلى حياة مضاعفة، إلى السلام ، إلى الحب، وقدّسي المسرات:
هو النزول المستور، يحمل أجنحتي الخفيفة فوق الزهور؛
وتراودني عيون الندى. لتأخذني نحو خيمتها المضيئة؛
والغادة الفيحاء، تسجد في خشوع صوب شمس الشروق،
حتى نصعد مرتبطين في عصبة ذهبية، ولا نرحل بتاتا؛
لكننا نسير متحدين، نحمل الزاد إلى زهورنا الندية


" أتفعلين ذلك أيتها الغيمة الصغيرة؟ أما أنا أخشى؛
باني لست بمثلك إذ أني أسير عبر وادي الحور.
انشق شذى أحلى الزهور وأسمع تغريد الطيور،
لكنّني لا أطعم الزهور ولا الطيور. فهي تسعى بنفسها للطعام؛
ولكن ما عادت بتلك تبتهج ثيلاء،لأنني أتوارى
وسوف يقولون:تلك المرأة الحسناء عاشت دون جدوى
أم أنها عاشت فقط لتكون عند الموت للدود طعام.

واستلقت الغيمة فوق عرشها الجوي ثم أجابت:
" أما لو كنت طعاما إلى الدود، أيا عذراء السماء،
فما اعظم جدواك وما اكبر نفعك؛ فان كل الكائنات،
لا تحيا لوحدها، ولا لنفسها: فلا تخافي أنني سأنادى
الدودة الضعيفة من مرقدها السفلي حتى تسمعي صوتها
اطلعي يا دودة الوادي الوجيم، إلى مليكتك الحزينة.

ونهضت الدودة العاجزة، و فوق وريقة الزنبقة جلست،
وحلقت الغيمة الوضيئة لتبحث عن رفيقها في الوادي.


اللوحة 4

وأخذت المذهولة ثيلاء تحدق في الدودة فوق مرقدها النديّ:
" هل أنت الدودة؟ صورة الضعف. هل أنت سوى دودة؟
أني أراك كالرضيعة تلتحفين وريقة زهرة الزنبق:
وليس بوسعك التكلم بل العويل؛ فلا تبك أيها الصوت الضئيل
فهل هذه دودة؟ أني أراك عارية،تبكين، خائرة القوى،
وليس من يجيبك، وليس من يؤنسك ببسمة الأمومة.

وسمعت كومة الطين أنين الدودة، فرفعت رأسها؛
ومالت على الرضيعة النائحة، ونفثت فيها روحا
من الحنان الحليبي، ثمّ على ثيلاء ركزت عينيها.

" ياجميلة وادي الحور! نحن ليس لأنفسنا نعيش،
وربما ترين في أوضع الأشياء، وهكذا حقا أنا؛
فهذا صدري نفسه باردة،وهو بعينه معتم"


اللوحة 5

"لكنّ ذا الذي يرعى المساكين، يسكب زيته فوقي.
يقبّلني، ويربط طوقه العرسي على صدري.
ويقول:(أنت يا أمّ أطفالي، لقد أهديتك حبي.
ولق وهبت إياك إكليلا ليس يسلبه أحد)
ولكن كيف يا حسناء لا اعرف، ولا اقدر أن اعرف،
أمعن التفكير، ولا يمكنني التفكير؛ ولكني أعيش واعشق".

فمسحت ابنة الحسن عينها العبرى بذاك الخمار،
وقالت:" واحسرتاه! ما عرفت هذا، ولذا بكيت:
وقد عرفت بان الله يرعى الدودة، ويعاقب الرجل الأثيمة
تلك التي تدوس هيئتها الضعيفة عن قصد وإصرار,
ولكن بان الله حباها بالحليب وبالزيت، ما عرفت بتاتا؛
ولذا بكيت وفي الهواء الطلق اشتكيت، لأنني أتوارى،
وارقد في فرشك البارد، واهجر طالعي الواعد"


فقالت الكومة الحنونة:" يا مليكة الوادي ؛ سمعت أنا نواحك
وكلّ آهاتك التي انسابت على سقفي، وقد وبختها:
فهلا يامليكة دخلت بيتي؟ فهو لك كي تدخلي،
وتعودي؛ فلا تخافي وادخلي بأرجلك العذراء.


اللوحة 6

ورفع حارس الأبواب السرمدية مزلاج البوابة الشمالية:
فدخلت ثيلاء المرتاعة ورأت أسرار الأرض المجهولة؛
رأت مضاجع الموتى، حيث تمتد جذور جميع القلوب
التي فوق وجه الأرض عميقا في ثناياها التي لا تستكين:
إنها موطن الحزن والعبرات حيث لم ترى بها بسمه.

وراحت تجول في موطن الغيم عبر أودية الظلام ,
وهي تسمع الندب والنحيب: وترقب فوق قبر رطيب
ووقفت في وجوم، تسمع أصوات قعر الأرض،
حتى أتت لموضع قبرها، وبجانبه جلست.
وسمعت صوت الأسى الهامس من جوف الحغرة:


" لم الأذن لا تقوى على الصم عن هلاكها والدمار؟
أو العين البراقة على الغمض عن سم البسمات؟
لم الجفون مدججة بالسهام الراشقة المسلولة،
حيث آلاف الرجال الأشاوس في شركها يسقطون؟
أم عين المواهب والحسن تدر الذهب المسكوك والأثمار!
ولم السان مشدوها بطعم الشهد من كل الأهواء؟

ولم الأذن، دوّامة هوجاء تجر الخلق فيها؟
ولم الأنف شاسعا ينشق رعشة الخوف والارتعاد؟
ولم اللجام الخفيف على الفتى اليافع الذي يتلهف!
ولم الستار الصغير للجسد فوق سرير النزوات؟"

وهنا فزت العذراء من مقعدها بصرخة صاخبة
وفرت وهي مطلقة العنان حتى رجعت في وادي الحور

النهاية

السبت، 13 نوفمبر 2010

لا تخش حرارة الشمس بعد الآن

لا تخش حرارة الشمس بعد الآن،
ولا أعاصير الشتاء الغضبان؛
فدورك في الدنيا ختمته بالوفاء،
ومضيت لدارك ونلت خير الجزاء:
وفتية العز كلهم والصبايا،
سيرتدون ثوب المنايا.

لا تخش بعد الان غضب الكبار؛
ولا سياط الحاكم الجبار؛
ولا تهاب الجوع أو الحرمان؛
فالشوك عندك مثل الريحان:
وذوي الوجاهة كلهم والأرباب
سيلحقونك تحت التراب.

لا تخش البرق ولا الوميض المهيب ،
ولا هدير الرعد الرهيب؛
ولا تخش الوشاية أو البهتان؛
فقد استوفيت الفرح والأحزان:
وكلّ الاحبة وأصحاب الهوى
سيرتمون في حضن الثرى.

لا عابث يلحق بك الأذى!
ولا ساحر يسلبك المنى!
ولا يمسسك شر الأشباح!
ولا تأتى بقربك الأتراح!
قد فاضت روحك باطمئنان؛
أحيا الله قبرك بالرضوان!

حيثما ترشف النحلة، ارشف أنا

حيثما ترشف النحلة، ارشف أنا:
هناك أقيم في كاس زهر المنى؛
وأرقد حين ينعق بوم الخنا.
وأطير على الخفاش غريب الكنى
طروبا طروبا بصيف الهنا.
طروبا سأحيا بعد الآن
تحت البراعم، تحت الأغصان.

أسمعي،اسمعي!الطير يغنّي في رتاج السماء

أسمعي،اسمعي!الطير يغنّي في رتاج السماء،
والهة النور تنهض في بهاء،
وجيادها الوهجاء تلفح بالضياء
كؤوس زهرات البتول البيضاء؛
فتبدأ البراعم الندية المائسة
بفتح عيونها الذهبية الناعسة:
فباسم كل ما هو رائع في العلاء،
انهضي يا حلوتي ولبي النداء.

شمس الصباح لا تعطي قبلة أحلى

شمس الصباح لا تعطي قبلة أحلى
على ندى الوردة الذي يتدلى،
كأشعّة عينيك، عندما يمسح سناها
دجى وجنتي الولهى وليل أساها:
ولا يسطع القمر الفضّي البراق
عبر صدر الأفق في الأعماق،
كما يشع وجهك الوضاء؛
الذي يبث عبر دمعي وهج الهناء:
فأنت في كل قطرة اذرفها تتلألئين؛
وكل قطرة تنهال تحمل حسنك الدفين.
ألا أبصري ترقرق الدموع في عيوني،
كلها تعكس مجدك عبر شجوني:
ولكن حذار أن تغرمي بنفسك حذار
ستملئين كؤوسا من دمعي المدرار.
آه يا مليكةالقلب متى ترفقين،
لن ينطق الظن، ولا لسان اليقين.